أخبار عاجلة
الرئيسية / برنامج العدالة الجنائية والقانونية / إيصال الأمانة بين التشريع والواقع العملي
مؤسسة حياه 26346996-v2_xlarge-646x330 إيصال الأمانة بين التشريع والواقع العملي

إيصال الأمانة بين التشريع والواقع العملي

التشريع الجنائي العقابي أفرد نصاً خاصاً لجريمة خيانة الأمانة ووضع لها عقوبة الحبس التي تصل مدته إلى ثلاث سنوات، نص عليها على سبيل الحصر في المادة (341) من قانون العقوبات منها عقد الأمانة أو ما جرى العرف على تسميته إيصال أمانة.

و لخطورة هذا العقد لما أسبغه عليه المُشرع من حماية جنائية فقد أشترط المشرع شروطاً لابد من توافرها مجتمعة في هذا العقد ـ من الناحية  الواقعية – لكي نعتبر من لا يقوم بالوفاء بموضوع هذا العقد خائناً للأمانة ومبدداً.

أول هذه الشروط أن يكون محل هذا العقد مبلغ من النقود، وثانيها أن يكون قد تم تسليم النقود بالفعل من يد الدائن إلى يد المستلم، وثالثها أن يقوم المدين ـ مستلم المبلغ ـ بتبديد هذا المبلغ المالي وعدم تسليمه عند طلبه كما هو متفق عليه وفي هذا كله أحسن المشرع صنعاً بإفراده نصاً يجرم خيانة الأمانة ليضمن إستقرار المعاملات في المجتمع وكضمان قانوني لمن يقوم بتسليم غيره مبلغاً من النقود إما لتوصيله لطرف ثالث وهو إيصال الأمانة ذو الثلاث أطراف أو ليطلب المبلغ ويأخذه عند الطلب أو كما هو متفق عليه في إيصال الأمانة بين طرفين فقط،  إلى هنا نتفق مع هذا التشريع ونقره.

إلا أن الواقع العملي يشهد في كثير من الأحيان عكس ذلك، إذ أن تسعون بالمائة على أقل تقدير من إيصالات الأمانة غير صحيح من الناحية الواقعية لعدم إكتمال أركانها التي نص عليها القانون إذ أن المعترف به في المعاملات التجارية أن التجار رغبة منهم في حسن تحصيل أقساط الديون لدى عملائهم يلجأؤن بالمخالفة للواقع والقانون إلى تحرير إيصالات أمانة للضغط على العملاء لسرعة السداد نظراً لما لإيصال الأمانة من حماية جنائية غير متوافرة للأوراق التجارية “الكمبيالة أو السند الأذنى”.

و لأن العملاء بسبب الأحوال الاقتصادية يرغبون في إتمام البيوع فإنهم يوقعون على إيصالات الأمانة رغم عدم توافر أهم شروطها وهو تسلم المبلغ المدون في الإيصال فعلياً، بل الأدهى من ذلك أنه في الغالب يتم توقيع الإيصال دون أن يذكر فيه المبلغ أو حتى اسم المستفيد وهو ما يسمى (إيصال على بياض) فيقوم بعد ذلك من حرر لصالحه الإيصال بكتابته بأي مبلغ يراه وفي العادة يكون مبلغ كبير للغاية عن القيمة الحقيقية للدين وذلك للضغط على المدين من ناحية لتشديد العقوبة ومن ناحية ثانية لكي تكون قيمة الكفالة عالية فيعجز عن دفعها المدين مفضلاً سداد الدين ومن ناحية ثالثة ليضمن الدائن عدم مماطلة المدين ووصوله لأخر مراحل التقاضي ثم سداد قيمة الإيصال في المحكمة إذا رفض الدائن إستلامها بعد طول المدة، مما يضر أشد الضرر  بالبسطاء. فالعديد ممن يقضون عقوبة الحبس لما يصل إلى ثلاثة سنوات ويخرج بعدها صاحب سابقة إجرامية ما كان له من ذنب جناه سوى انه بسيط الحال وأراد أن يدخل السعادة على أولاده فاشترى لهم سلعة معمرة وتعثر في سداد إقساطها فحكم عليه بالحبس في تهمة لم يرتكبها إذ إنه لم يكن خائناً ولم تكن هناك أمانة من الأساس سلمت إليه. والوضع الطبيعي لإقتضاء هذا الدين هو المطالبة القضائية المدنية فإذا لم يقم بالسداد يتم الحجز على أي شيء يمتلكه بقيمة الدين دون حبسه كما أسلفنا.
ونظراً لما تم سرده نرجو من المشرع أن ينظر لهذا النص نظرة واقعية، من ناحية للحفاظ على البسطاء من الحبس بسبب ديون أصلها مدني، ومن ناحية ثانية إلا نشغل وقت القضاء الجنائي في مسائل يجب ألا تعرض عليه ليتفرغ للقضايا الهامة لإحقاق الحق فيها.

تشريع لحماية البائع والمشتري
مدير وحدة العدالة الجنائية واستشاري قانوني – محمد جمال يقول: “إن الفقراء المضطرين للشراء بالتقسيط أو الاقتراض يكونون بلا حماية أمام الدائنين وكذلك المحامين”. ويطالب بسن “تشريع يقنن عملية البيع ويضع ضوابط لاستخدام إيصالات الأمانة بما يحمي الغارم أو المشتري بالتقسيط دون الإخلال بحق المدين، على أن يستحدث هذا التشريع هيئة ما تقف بصورة محايدة بين الدائن والمدين، ولا تخل بحقوق الاثنين، وتراعي البعد الاجتماعي”.
وشدد بأن المصريون يعرفون مخاطر التوقيع على إيصال أمانة غير محدد المبلغ، لكنهم يلجئون لذلك لسببين، الحاجة والأمل في السداد بناءًا على مصدر دخل سواء أكان ثابتاً أم غير ثابت.

ويشدد على أن حل أزمة الغارمين في مصر يكمن في تدخل الدولة ووجود مؤسسة حكومية تكون وسيطاً بين الغارم والدائن، أو وجود تشريع يقنن عملية البيع بالتقسيط.

ومن ناحية أخرى ومن خلال متابعة قضايا الغارمين داخل المؤسسة، لجأت للمؤسسة الحالة  “جمعه . ح” متهم بجنحة تبديد إيصال أمانة قيدت برقم 9972 لسنة 2017 جنح دمنهور والمقيدة برقم 30603 لسنة 2017 جنح مستأنف دمنهور، وبجلسة 6/11/2017 حضر محامى المؤسسة ودفع ببطلان محضر جمع الاستدلالات والشكوى المقدمة من وكيل الدائن ، كما دفع بانتفاء ركن التسليم والتسلم، والتمس براءة المتهم مما اسند إليه من اتهام، فقررت المحكمة التأجيل لجلسة 20/11/2017 لإعلان المجني عليه لحضور الجلسة شخصياً.

وتلك الجلسة حضر محامي المؤسسة وطلب البراءة بالدفوع السابق ذكرها، وبالفعل حكمت المحكمة ببراءة المتهم لبطلان محضر جمع الاستدلالات وشكوى الشرطة.